السبت، 12 يناير 2013

الأصل الصحابي :



الأصل الصحابي :

وإن هاته الأزمة الحضارية التي نعيشها اليوم كأمة وكمسلمين على شتى الواجهات وفي كل الميادين بما في ذلك علاقتنا بالقرآن والسنة، ليست أزمة سهلة يمكن تجاوزها بين عشية وضحاها بتغيير النظام السياسي أو الثقافي فحسب بل إن جذور هاته الأزمة متعمقة تاريخيا ومنذ قرون مما يعني أن اجثتاتها كاملة يوجب الوعي بها أولا قبل التفكير في تطبيبها الذي لايحتاج إلى وصفات فقط بل يحتاج إلى عمليات من كل ذوي الإختصاصات ، وحركية حقا واعية بأزمتها تماما كوعيها ببديلها الحضاري.وقراءة الأزمة تحتاج إلى منهجية تاريخية حول هذا الإشكال لكنا نوجزها كموضوع بحث في الفقرات التالية :

إذ لا نشك في عصر البعثة في مدى الترابط المتين بين الأصل القرآني والسنة التي كانت تنزله على الأرض مراعية بعبقرية النبوة إشارات النبي ص لعصر الصحابة وكل العصور التي تليها ، وبذلك كان الرسول يخاطب العالم كله بل الكون كله بلغة واحدة يفهم منها العالم ما لايفهم المتعلم ويفهم منها المتعلم ما لايتعلم منها الأمي وتلك معجزته البلاغية..فكانت الوحدة على تشريع القرآن بالفهم النبوي في عصر البعثة بإجماع رغم وجود فئة المنافقبن الذين حاولوا مرارا تكسيرها..لكن وعي الرسول صلى الله عليه وسلم بعصره كانت تحول دون مكر كل المتربصين بالإسلام الدوائر ..هذا الوعي الذي كان كاملا ومقدسا لحد قسم الله سبحانه وتعالى به في قوله تعالى : »والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعنلوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر « السورة التي سميت بالعصر والتي كانت شعارا للصحابة الذين كانوا كثيرا ما يذكرون بعضهم البعض بها لحد اتخادها كسنة، وذلك لما تحمل من مواعظ جليلة وكذا لما تحمله من رمزيات كالإرتباط الإسلامي بالعصور وما دام العصر يتغير والقرآن لايتغير فالتجديد يغير ويتغير : وهذا ما نلمسه في عصر الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم من ارتباط كل خليفة بإشكاليات عصره بكل شورى واجتهاد مع كل المومنين وأولي الرأي، ولزوم الشورى في الإسلام تعني قطعا البحث دوما عن الرأي التوافقي : وهكذا كانت الشورى في عهد أبي بكر ض تملي تحركات لم يتفق عليها الصحابة بسهولة، وكذلك في عهد عمر ض ، لتبرز الخلافات بارزة أكثر في عهد عثمان ض ثم علي ض : وهكذا يتوضح ان :

ـــ العديد من الصحابة أنفسهم لم يتمهلوا للوصول للرأي التوافقي بين كل المسلمين لحد الفتنة الكبرى ومقتل عمر ض فعثمان ض فعلي ض : مما يلزم الحكمة الكبيرة في تقديس الرأي التوافقي لأزمتنا الحضارية وإلا فلا بديل.

ـــ الفهم الصحابي للإسلام لم يكن جامدا بل متنوعا حتى أن نفسيات الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم كانت متمايزة فلأبي بكر اللين الأكبر كما أن لعمر الشدة الكبرى في الحق كما لعثمان فراسته البينة ولعلي حكمته البليغة وكلهم كانوا يشتركون في كل هاته الخصال إلا أن لكل ميزته الخاصة وأفقه حسب مستجدات العصر، مما يدحض رأي من يقدسون الرأي الصحابي وكأنه جامد ولهذا يجب أن تكون من مسلماتنا :الفهم المتنوع للصحابة أنفسهم، وبالتالي فلا يمكننا أن نرجع لمرجعية اجتهادية واحدة في هذا العصرولا حتى لعصر التابعين، والذين ينادون بالرجوع إلى هذا العصر يلبسون الحقيقة بشعارات تبدوا براقة لكنها فارغة علميا وعمليا.

ولهذا فإن الصحابة بمعاصرتهم بكل أصالة شكلوا منذ القرن الأول التنوع في فهم الأصول، مما ينفي قطعا :

ـــ القول بقدسية فقه السلف دون الخلف

ــ اتخاذ العصر الصحابي كبديل حضاري وإنما يجب اتخاده كأساس سني فقها وفكرا بكل وعي بمميزاته .

ــ القول بخروج فتوى الصحابة عن روح عصرهم

وهاته هي الأصالة التي تعد من أهم ركائز الأصولية الإسلامية استنادا لقول الرسول ص : » عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجد »وكما أن للمجتهد الحق في الإجتهاد في النص المقدس فله ذلك إذن أيضا في رأي الصحابي، لكن دون أن ننسى فضل الصحابة رضوان الله عليهم على الأمة وفضل عصرهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » مما يعني أن التزام الصحابة عمليا بالسنة لن يفوقه عصر لعدة فضائل :

ــ نزول القرآن منجما في حياتهم وتربية الله المباشرة للرسول ص ولهم رضوان الله عليهم

ــ تربية الرسول الخاصة لكل واحد منهم على حدة ثم جماعيا

ــ ظروف الجهاد والفاقة التي عاشوها فرضت كل فضائل الزهد في الدنيا في عصرهم

ــ تربية الرسول لهم على مقامات الإحسان الكبرى لا على الفقهيات البسيطة كما يظن البعض منا

وبالتالي سنجد أن هذا الأصل النبوي الذي عمقه الصحابة كان كافيا لانطلاق الحضارة الإسلامية منذ اختلاط الصحابة بالتابعين.فعصر البعثة والخلافة كان كافيا لبناء أساس كل الحضارة الإسلامية بامتياز، هذا الأساس الذي فهمه التابعون وتابع التابعين بتنوع أكبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق